الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَلَمَّا نَسُواْ} تركوا ترك الناسي. {مَا ذُكّرُواْ بِهِ} ما ذكرهم به صلحاؤهم. {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} بالاعتداء ومخالفة أمر الله. {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤسًا إذا اشتد. وقرأ أبو بكر {بيئس} على فيعل كضيغم، وابن عامر {بئس} بكسر الباء وسكون الهمز على أنه بئس كحذر، كما قرئ به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد، وقرأ نافع {بيس} على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على أنه فعل الذم وصف به فجعل اسمًا، وقرئ {بيس} كريس على قلب الهمزة ثم ادغامها و{بيس} بالتخفيف كهين وبائس كفاعل. {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسبب فسقهم.{فَلَمَّا عَتَوْاْ عَمَّا نُهُواْ عَنْهُ} تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى: {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} كقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولًا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرًا وتفصيلًا للأولى. روي: أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق، فأصبحوا يومًا ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا: إن لهم شأنًا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسباءهم ولكن القردة تعرفهم، فجعلت تأتي أنسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث. وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم.{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي أعلم تفعل من الإيذان بمعناه كالتوعد والإِيعاد، أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله فأجرى مجرى فعل القسم {كعلم الله} و{شَهِدَ الله}. ولذلك أجيب بجوابه وهو: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} والمعنى وإذ أوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود. {مَن يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} كالإِذلال وضرب الجزية، بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم، وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر. {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} عاقبهم في الدنيا. {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تاب وآمن.{وقطعناهم فِي الأرض أُمَمًا} وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و{أُمَمًا} مفعول ثان أو حال. {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} تقديره ومنهم أناس دون ذلك أي منحطون عن الصلاح، وهم كفرتهم وفسقتهم. {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} بالنعم والنقم. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ينهون فيرجعون عما كانوا عليه.{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} من بعد المذكورين. {خَلْفٌ} بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع. وقيل جمع وهو شائع في {وَرِثُواْ الكتاب} التوراة من أسلافهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها. {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى} حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا، وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم، والجملة حال من الواو. {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه، وهو يحتمل العطف والحال والفعل مسند إلى الجار والمجرور، أو مصدر يأخذون. {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} حال من الضمير في {لَنَا} أي: يرجون المغفرة مصرين على الذنب عائدين إلى مثله غير تائبين عنه. {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} أي في الكتاب. {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} عطف بيان للميثاق، أو متعلق به أي بأن يقولوا والمراد توبيخهم على البت بالمغفرة مع عدم التوبة والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب. {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} عطف على {أَلَمْ يُؤْخَذْ} من حيث المعنى فإنه تقرير، أو على {وَرِثُواْ} وهو اعتراض. {والدار الاخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} مما يأخذ هؤلاء. {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} فيعلموا ذلك ولا يستبدلوا الأدنى الدنيء المؤدي إلى العقاب بالنعيم المخلد، وقرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء على التلوين. {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب وَأَقَامُواْ الصلاة} عطف على الذين {يَتَّقُونَ} وقوله: {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} اعتراض أو مبتدأ خبره: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} على تقدير منهم، أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهًا على أن الإِصلاح كالمانع من التضييع. وقرأ أبو بكر {يُمَسّكُونَ} بالتخفيف وإفراد الإِقامة لإِنافتها على سائر أنواع التمسكات. اهـ.
|